بسم الله الرحمن الرحيم
انتقلت عدوى سجود اللاعبين العرب في ملاعب الكرة إلى الأفارقة. وسجد لاعبو منتخب مالي ثلاث مرات بعد تسجيلهم ثلاثة أهداف في
مرمى منتخب مالاوي إلا أنهم لم يتمكنوا من التأهل إلى دور الثمانية في منافسات نهائيات كأس إفريقيا للأمم.
السجود في ملاعب الكرة ليس إخلاصا في الدين وللدين وإنما مظهر من مظاهر التدين. وشتان بين الدين الذي هو علاقة بين المخلوق والخالق، وبين التدين. أين يتفنن المخلوق في إظهار ارتباطه بالخالق بطرق استعراضية.
هذا الاستعراض الديني على العشب الأخضر لا يقتصر على المسلمين بل إن حركات التثليث دخلت قاموس بعض المنتخبات العالمية ومنها المنتخب البرازيلي الذي أصبح نجومه يتحلقون ويشكرون الرب كلما سجلوا هدفا أو أحرزوا انتصارا. حتى كتبوا على قمصانهم الداخلية، نحن نحب المسيح.
الاتحاد الدولي لكرة القدم –فيفا- أصدر بيانا دعا فيه اللاعبين إلى الاحتفاظ بمشاعرهم الدينية لأنفسهم مشيرا إلى أن بنوده الداخلية تحظر إبداء أي مشاعر دينية أو إظهار أي شعارات سياسية في ملاعب الكرة حتى لا تتحول المباريات الرياضية إلى حلبة للصراعات الدينية والسياسية. الفيفا لم تصل بعد إلى الحظر وإنما اكتفت بالتنديد بالظاهرة.
عند العرب، الجدل أصبح فقهيا. فمن علماء الدين من ذهب إلى أن سجود اللاعبين باطل لأنهم لا يراعون شروطه من حيث الوضوء وستر العورة وطهارة البدن والثوب، والتوجه نحو القبلة، وبالتالي فهو إساءة للإسلام. وفريق آخر رأى بأن السجود في الملعب ليس عيباً. واللاعب يسجد لله على نعمة أعطاها له.
لكن إذا أخذنا بالفتوى الأخيرة وهي فتوى أزهرية، فكيف سيكون وضع المنتخب المصري وهو الملقب بمنتخب الساجدين إذا سمح القرار السياسي المصري بانضمام لاعبين أقباط إلى صفوفه؟ هل يتحلق اللاعبون في مجموعتين إن سجلوا هدفا، ثم يحتفل كل واحد منهم بممارسة طقوسه الدينية ضمن مجموعته؟ أم سيسْجُد اللاعبون الأقباط، عملا برأي الغالبية المسلمة! طبعا هذا لن يحصل أبدا. لماذا؟ لأن مصادر من داخل المنتخب سربت أخبارا للإعلام مفادها أن (الحاج) حسن شحاته أرجع كل انتصاراته الكروية إلى مدى التزام اللاعبين بالدين الإسلامي -ليس الى الصرامة والانضباط في العمل- وأنه قام بتوبيخ اللاعب محمد زيدان لأنه لا يصلي مع الجماعة . وأن شحاته يحرص على أن يتبع لاعبوه التعاليم الإسلامية بصرامة، حتى أنه اعتبر التمسك بالدين الإسلامي عامل أساسي في ضم اللاعبين إلى صفوف الفريق القومي. وهذا ما يطرح جدلا سياسيا وثقافيا واسعا حول الأسباب التي تحول دون تمثيل المواطنين الأقباط لبلدهم في الفريق القومي.
أعود إلى الأفارقة الذين اعتنقوا الإسلام وتعلموا مبادئه قبل قرون على أيدي العرب الذين اتجهوا غربا نحو شمال إفريقيا وأدغالها. فظهر ما يسمى بالإسلام على الطريقة الإفريقية: علاقة روحية مع الله ممزوجة بالأعراف والتقاليد ونوع من الفلكلور الشعبي، هذا الإسلام اتجه نحو التصوف واتباع شيوخ الزوايا وركَنَ إلى السلم والتسامح. قبل أن يهيمن الإسلام السياسي والاستعراضي على القارة السمراء الذي فجر أحداث العنف في شمال نيجيريا. ومن نيجيريا تحول مسلم إفريقي سمى نفسه عمر الفاروق عبد المطلب إلى مشروع انتحاري كان يخطط لتفجير طائرة أمريكية على متنها ركاب مدنيون أغلبهم من المسلمين والعرب لأن وجهتها كانت ديترويت حيث أكبر تجمع للجالية العربية في المهجر. عمر الفاروق لم يتعلم من الدين سوى آيات الجهاد. والماليون أبهرهم بريق السجود أمام الجماهير. الأول تطرف والمنتخب المالي تمسك بالقشور. والطرفان كانا ضحية استغلال العرب للتدين سياسيا ثم كرويا.
[size=18]