بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محمد بن يوسف أطفيش
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محمد بن يوسف أطفيش
1- مقــدمة:
إن الأمة الإسلامية، لا تزال تبحث عن تاريخ أعلامها العظام الذين يمثلون المقاومة العنيدة ضد التيارات التحريفية الدخيلة في تاريخنا الإسلامي، قديما وحديثا، لذا رأيت من الواجب الديني والأخلاقي والوطني أن أبرز حياة أحد أعلام الفكر الإسلامي الأصيل وهو الشيخ محمد بن يوسف أطفيش الذي قال فيه الشيخ ناصر بن محمد المرموري: (إن الشيخ أطفيش رحمه الله من الأفذاذ الذين يقل نظراؤهم عبر التاريخ فهو يجمع إلى سعة العلم، دقة النظر وصدق الحكم، وهبه الله عمرا طويلا في خدمة العلم ورزقه التوفيق وحلاه بالورع والتواضع والاستقامة وقد حدثنا مشائخنا الذين تتلمذوا عليه الشيء الكثير عن استقامته وورعه وقيامه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجده في خدمة العلم).
2- الشيخ أطفيش: نسبه وميلاده:
هو العلامة الشيخ الحاج محمد بن يوسف بن عيسى، يتصل نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه- أما كنيته المشهورة فهي- القطب- وهو سيد القوم ونجمهم الذي لا يبرح مكانه مطلقا، ويقصد بالكنية ما يجعل علما على الشخص غير الاسم واللقب مثل أبو الخير.
يقول الشيخ أبو اليقظان الذي يعد أحد تلاميذ القطب ما يلي: (منهم الشيخ الحاج محمد بن يوسف أطفيش الشهير بقطب الأئمة عند المغاربة، وبقطب المغرب عند المشارقة وهو جدير بحق هذا اللقب العظيم، فإن علماء المشرق والمغرب كالكواكب تدور على هذا القطب في فلكه الواسع ويتصل نسبه بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه- فهو من بني عدي.
أما ولادته فكانت في مدينة- بني يزقن- القريبة من غرداية- جنوب الجزائر- وذلك سنة 1236هـ الموافق لسنة 1820م- وأما والده الشيخ الحاج يوسف رحمه الله، يعد من الشخصيات البارزة في وادي ميزاب، فقد توفي والابن لم يتعد خمس سنوات.
فأما والدة الشيخ أطفيش فهي- ماما ستي بنت الحاج سعيد بن عدون- عائلة آل يدر- وتعتبر هذه الأم الكريمة من الأمهات القليلات اللائي بذلن مجهودات مضنية في سبيل نشر العلم الصحيح.
يقول المؤرخ الجزائري- محمد علي دبوز-: (لقد كان لوالدة القطب أعظم الأثر فيه بوراثتها الشريفة وهي كانت السبب في اتجاه القطب إلى العلم بعد وفاة والده لولاها لاتجه اتجاها ماديا يؤدي بنبوغه كما أودت المادة والجهل بنبوغ كثير من اليتامى، وأبناء الأمهات الجاهلات).
وحينما بلغ محمد بن يوسف أطفيش الخامسة أدخلته أمه الكريمة في كتاب المسجد لحفظ القرآن الكريم، فسطع نجمه أمام أترابه ولم تمر ثلاث سنوات حتى حفظ القرآن الكريم بكامله حفظا جيدا عن ظهر قلب، وهو لم يبلغ عمره تسع سنوات.
أما بالنسبة إلى أساتذته فهم الشيخ عمر بن سليمان والشيخ الحاج سليمان بن يحيى وأخوه الشيخ إبراهيم بن يوسف بن عيسى الذي كان له أثر فعال في تثقيف شخصية أخيه.
ويمكننا أن نستدل على ذلك بما كتبه الأستاذ الكريم الشيخ أبو اليقظان رحمه الله، إذ قال: (لما رجع أخوه الشيخ الحاج إبراهيم من المشرق العربي من عمان ومصر وهو مملوء بأوسع المدارك، كما مر بيانه، إذ احتضنه تعليما وتثقيفا، فوجد منه بحرا زاخرا، عذبا يروي غلته من العلم والمعرفة، فأخذ حظه منه في سائر العلوم، ثم تفرغ للتدريس والتأليف، وصرف قوة شبابه فيهما إلى آخر عمره.
وعلى ضوء هذا فإن أخاه الحاج إبراهيم، قد كوّن فيه الرغبة الخالصة في المعرفة مع التوجيه السليم حيث درس عليه العلوم الشرعية كالعقيدة والفقه، وعلوم القرآن والمنطق والتاريخ.
ثم إن أخاه الكريم قد منح له كل كتبه التي جاء بها من المشرق العربي، فدرسها دراسة علمية وكان القطب رحمه الله عصاميا في تعلمه بدون أستاذ حتى تمكن فيها كل التمكن، ففقه مسائلها وأدرك أسرارها ولا أدل على ذلك من نبوغه النحوي، بحيث استطاع أن ينظم كتاب المغني لابن هشام في خمسة آلاف (5000) بيت وعمره لا يزيد على ست عشرة(16) سنة يقول رحمه الله:
مغنـــي اللبيب جنـــــــة أبوابهـــــــــــا ثمــــــــانية
ألا تراهـــــا وهــــي لا تسمـــع فيهـــــا لاغيـــــة
وحينما بلغ عشرين سنة من عمره أصبح يشار إليه بالبنان في علمه وأخلاقه وإخلاصه وأمسى من العلماء الكبار في وادي ميزاب والجزائر والعالم الإسلامي.
ومن هنا فتح دار للتدريس والتأليف ثم أفرغ كل جهده في إصلاح سلوك المجتمع لمحاربة الآفات الاجتماعية دون كلل في كل لحظة، ما دام هدفه الأول هو خدمة الإسلام قولا وعملا، فالإسلام في نظره هو منهج للحياة البشرية التي تجد فيه طبيعتها الفطرية، يقول الله عز وجل:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلمُونَ) - سورة الروم: 30-.
تحياتي