(العلامة الشيخ عامر بن علي الشماخي)
1- التمهيد:
في هذه الصفحات القليلة، نريد أن نحدثك أيها الطالب الكريم، عن حياة العلامة الشيخ عامر بن علي الشماخي رحمه الله، فقد كان مثلاً في الورع والتقوى والعلم فاستمسك بالأخلاق القرآنية سلوكا صالحا، قبل أن يكون قولاً، وعلينا أن نميط اللثام عن هذه الشخصية الإسلامية الخالدة في ذاكرة الإسلام من خلال سلوكه وآثاره الفكرية.
ووفاء لهؤلاء العظام، نقدم لك نبذة عامة مختصرة عن حياة هذا الشيخ الكريم لتكون لنا عبرة في حياتنا.
2- الشيخ أبو ساكن عامر بن علي الشماخي- نسبه، مولده، تعلمه:
هو أبو ساكن عامر بن علي بن عامر بن سيفاو الشماخي، نلاحظ هنا أن كلمة- سيفاو- غريبة عن اللغة العربية، فهذه الكلمة هي كلمة بربرية ومعناها النور الهادي- أما كلمة الشماخية فهي نسبة إلى جبل شماخ الواقع في أراضي جبال نفوسة بليبيا، بحيث أن العائلة الشماخية الكريمة التي خدمت التراث الإسلامي خدمة جليلة تنسب إلى هذا الجبل، وأخيرا استقرت في مدينة يفرن بليبيا.
ولد الشيخ أبو ساكن عامر بمدينة ديسير حوالي 700هـ- لقد نشأ رحمه الله في أسرة شريفة، عريقة في الدين والأخلاق العالية، إن هذه الأسرة النبيلة، قد أثرت فيه أدباً وأخلاقاً، وسلوكاً.
وكان من عادة أهل القرية يرسلون أبناءهم الصغار يمرحون ويتسابقون، تاركين أبقارهم تأكل الكلأ وما تجده أمامها، وهي بعيدة عن حراسة هؤلاء الأطفال الصغار، إلا أن الابن الصغير عامر يمسك برسن البقرة أي بحبل بقرته يحرسها كل الحرس خوفا أن تأكل من كلأ الناس فلاحظ أعرابي سلوك عامر المتخلق بأخلاق القرآن الكريم.
فقال له لماذا لا تلعب مع زملائك وتترك بقرتك وشأنها كالأبقار الأُخر؟ فقال له عامر: أخاف أن تأكل كلأ الغي، فهذا حرام في دين الله، إن هذا القول قد أثر في نفسية ذلك الأعرابي فقصد والده قائلا له:
إن ابنك الصغير عامر يصلح لدراسة العلوم الدينية لا لرعي الأبقار، لأنه متخلق بأخلاق القرآن العظيم، وتظهر عليه علامات الذكاء والإدراك الصحيح، إن هذه الحادثة قد غيرت مجرى حياة عامر، إذ أدخله أبوه الكريم في مدرسة ديسير، ولم تمض شهور قليلة حتى حفظ الابن الصغير القرآن الكريم، وشيئاً من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، ومبادئ اللغة العربية والنحو والصرف.
وبعد هذه المدرسة الابتدائية ألتحق بمدرسة أخرى وهي مدرسة الشيخ أبي موسى عيسى الطرميسي التي كانت تعد حينئذ أعظم مدرسة في جبل نفوسة، فقد تخرج منها عدة أعلام في الفكر والشريعة الإسلامية.
وعلى أية حال، فإن الشيخ عامر قد بلغ درجة كبيرة في التفقه والاجتهاد والتبحر في العلوم الدينية، وكان أستاذه أبو موسى عيسى الطرميسي يفضله ويبجله على أقرانه بفضل أخلاقه وعلو علمه، وحينما أدرك شيخه نهاية اجتهاده ونشاط فعالية علمه بسبب كبر سنه، قال له: (لقد أبلغت إليك هذا الدين سالما دون أن تشوهه الخرافة أو البدعة، فإن حافظت عليه بقي، وإن أهملته ضاع).
3- كفاحه وأخلاقه:
إن الشيخ عامر بن علي الشماخي رحمه الله لما أتم دراسته عند الشيخ أبي موسى عيسى الطرميسي بقرية طرمسية بجبل نفوسة، رجع إلى يفرن فكون مدرسة كبيرة هدفها الأول هو نشر الدين الإسلامي الصحيح والأخلاق القرآنية بين الفئات الاجتماعية وبعد هذا انتقل إلى مدرسة أبي يزيد المزغورتي، فوجد هناك صديقه الشيخ أبا عزيز حاملا لواء الإسلام، متحديا الصعاب، آمرا بالمعروف، وناهيا عن المنكر.
وبعد هذا الجهاد انتقل أبو ساكن إلى مدينة ميتيون في أرض الرحيبات، فمكث في هذه المدينة الطيبة ثلاثة عشر ( 13) سنة كاملة، مربيا ومدرسا ومرشدا، إلا أن شيخنا أحس بالحنين إلى مدرسته الأولى بيفرن فرجع إليها فاستقر في رحابها، هناك قضى بقية عمره مجاهدا مكافحاً مظاهر الفساد الخلقي والآفات الاجتماعية معتمدا في ذلك على الأخلاق القرآنية، وقدوة سيرة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة رضي الله عنه، فجاهد في سبيل الله حق جهاده حتى اختاره الله إلى جواره وذلك سنة 792هـ رحمه الله وأسكنه النعيم المقيم.
يقول العلامة الشيخ علي يحيى أمعمر عنه: (كان أبو ساكن مثلا يحتذى به في الجد والعمل والخلق الحميد، إنه من أولئك الدعاة الهداة الذين يقيم بهم الحجة على العباد في مختلف الأزمان.
لقد كان رحمه الله مؤمنا أصدق المؤمنين ومكافحا في الله من أشد المكافحين وكان متخلقا بخلق القرآن، حكيماً في الأمور وقوراً في شخصه عفيفاً لين العريكة - أي النفس- سهل الخلق يحب الناس ويحبونه، يألفهم ويألفونه إلا أن تنتهك حرمة من حرم الله فإنه لا يقر له قرار حتى يقوم فيها بأمر الله).
أيها الطالب الكريم: هذه الأخلاق نحن اليوم في أشد الحاجة إليها ولا يختلف عاقلان اليوم في غرسها وترسيخها في أمتنا الإسلامية حتى تستطيع أن تكون جيلا إسلاميا صالحا للحياة، مفيدا لوطنه والإنسانية التي تعاني أزمة أخلاقية حادة بسبب خروجها عن طريق الأنبياء والرسل ودعاة الإصلاح المسلمين.
منقـــــول للأمانة
يتبع...
1- التمهيد:
في هذه الصفحات القليلة، نريد أن نحدثك أيها الطالب الكريم، عن حياة العلامة الشيخ عامر بن علي الشماخي رحمه الله، فقد كان مثلاً في الورع والتقوى والعلم فاستمسك بالأخلاق القرآنية سلوكا صالحا، قبل أن يكون قولاً، وعلينا أن نميط اللثام عن هذه الشخصية الإسلامية الخالدة في ذاكرة الإسلام من خلال سلوكه وآثاره الفكرية.
ووفاء لهؤلاء العظام، نقدم لك نبذة عامة مختصرة عن حياة هذا الشيخ الكريم لتكون لنا عبرة في حياتنا.
2- الشيخ أبو ساكن عامر بن علي الشماخي- نسبه، مولده، تعلمه:
هو أبو ساكن عامر بن علي بن عامر بن سيفاو الشماخي، نلاحظ هنا أن كلمة- سيفاو- غريبة عن اللغة العربية، فهذه الكلمة هي كلمة بربرية ومعناها النور الهادي- أما كلمة الشماخية فهي نسبة إلى جبل شماخ الواقع في أراضي جبال نفوسة بليبيا، بحيث أن العائلة الشماخية الكريمة التي خدمت التراث الإسلامي خدمة جليلة تنسب إلى هذا الجبل، وأخيرا استقرت في مدينة يفرن بليبيا.
ولد الشيخ أبو ساكن عامر بمدينة ديسير حوالي 700هـ- لقد نشأ رحمه الله في أسرة شريفة، عريقة في الدين والأخلاق العالية، إن هذه الأسرة النبيلة، قد أثرت فيه أدباً وأخلاقاً، وسلوكاً.
وكان من عادة أهل القرية يرسلون أبناءهم الصغار يمرحون ويتسابقون، تاركين أبقارهم تأكل الكلأ وما تجده أمامها، وهي بعيدة عن حراسة هؤلاء الأطفال الصغار، إلا أن الابن الصغير عامر يمسك برسن البقرة أي بحبل بقرته يحرسها كل الحرس خوفا أن تأكل من كلأ الناس فلاحظ أعرابي سلوك عامر المتخلق بأخلاق القرآن الكريم.
فقال له لماذا لا تلعب مع زملائك وتترك بقرتك وشأنها كالأبقار الأُخر؟ فقال له عامر: أخاف أن تأكل كلأ الغي، فهذا حرام في دين الله، إن هذا القول قد أثر في نفسية ذلك الأعرابي فقصد والده قائلا له:
إن ابنك الصغير عامر يصلح لدراسة العلوم الدينية لا لرعي الأبقار، لأنه متخلق بأخلاق القرآن العظيم، وتظهر عليه علامات الذكاء والإدراك الصحيح، إن هذه الحادثة قد غيرت مجرى حياة عامر، إذ أدخله أبوه الكريم في مدرسة ديسير، ولم تمض شهور قليلة حتى حفظ الابن الصغير القرآن الكريم، وشيئاً من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، ومبادئ اللغة العربية والنحو والصرف.
وبعد هذه المدرسة الابتدائية ألتحق بمدرسة أخرى وهي مدرسة الشيخ أبي موسى عيسى الطرميسي التي كانت تعد حينئذ أعظم مدرسة في جبل نفوسة، فقد تخرج منها عدة أعلام في الفكر والشريعة الإسلامية.
وعلى أية حال، فإن الشيخ عامر قد بلغ درجة كبيرة في التفقه والاجتهاد والتبحر في العلوم الدينية، وكان أستاذه أبو موسى عيسى الطرميسي يفضله ويبجله على أقرانه بفضل أخلاقه وعلو علمه، وحينما أدرك شيخه نهاية اجتهاده ونشاط فعالية علمه بسبب كبر سنه، قال له: (لقد أبلغت إليك هذا الدين سالما دون أن تشوهه الخرافة أو البدعة، فإن حافظت عليه بقي، وإن أهملته ضاع).
3- كفاحه وأخلاقه:
إن الشيخ عامر بن علي الشماخي رحمه الله لما أتم دراسته عند الشيخ أبي موسى عيسى الطرميسي بقرية طرمسية بجبل نفوسة، رجع إلى يفرن فكون مدرسة كبيرة هدفها الأول هو نشر الدين الإسلامي الصحيح والأخلاق القرآنية بين الفئات الاجتماعية وبعد هذا انتقل إلى مدرسة أبي يزيد المزغورتي، فوجد هناك صديقه الشيخ أبا عزيز حاملا لواء الإسلام، متحديا الصعاب، آمرا بالمعروف، وناهيا عن المنكر.
وبعد هذا الجهاد انتقل أبو ساكن إلى مدينة ميتيون في أرض الرحيبات، فمكث في هذه المدينة الطيبة ثلاثة عشر ( 13) سنة كاملة، مربيا ومدرسا ومرشدا، إلا أن شيخنا أحس بالحنين إلى مدرسته الأولى بيفرن فرجع إليها فاستقر في رحابها، هناك قضى بقية عمره مجاهدا مكافحاً مظاهر الفساد الخلقي والآفات الاجتماعية معتمدا في ذلك على الأخلاق القرآنية، وقدوة سيرة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة رضي الله عنه، فجاهد في سبيل الله حق جهاده حتى اختاره الله إلى جواره وذلك سنة 792هـ رحمه الله وأسكنه النعيم المقيم.
يقول العلامة الشيخ علي يحيى أمعمر عنه: (كان أبو ساكن مثلا يحتذى به في الجد والعمل والخلق الحميد، إنه من أولئك الدعاة الهداة الذين يقيم بهم الحجة على العباد في مختلف الأزمان.
لقد كان رحمه الله مؤمنا أصدق المؤمنين ومكافحا في الله من أشد المكافحين وكان متخلقا بخلق القرآن، حكيماً في الأمور وقوراً في شخصه عفيفاً لين العريكة - أي النفس- سهل الخلق يحب الناس ويحبونه، يألفهم ويألفونه إلا أن تنتهك حرمة من حرم الله فإنه لا يقر له قرار حتى يقوم فيها بأمر الله).
أيها الطالب الكريم: هذه الأخلاق نحن اليوم في أشد الحاجة إليها ولا يختلف عاقلان اليوم في غرسها وترسيخها في أمتنا الإسلامية حتى تستطيع أن تكون جيلا إسلاميا صالحا للحياة، مفيدا لوطنه والإنسانية التي تعاني أزمة أخلاقية حادة بسبب خروجها عن طريق الأنبياء والرسل ودعاة الإصلاح المسلمين.
منقـــــول للأمانة
يتبع...